هل سبق لك أن شعرت أن حزنك يرفض المغادرة؟ أن الأمر لم يعد مجرد رد فعل طبيعي على خسارة أو فشل، بل ثقل دائم يجثم على روحك، يسرق الألوان من العالم والدافع من خطواتك؟
من اللحظة التي نولد فيها، يُصبح الحزن جزءًا من قاموسنا العاطفي. إنها أداة البقاء التي تعلمنا قيمة ما فقدنا، وتدفعنا لإعادة التكيف مع الواقع. لكن ما يحدث عندما تتجاوز هذه المشاعر حدها الطبيعي، وتتحول من “ضيف” يمر ويعظ، إلى “ساكن دائم” يسيطر على حياتك بالكامل؟ هنا، يتحول الحزن الإنساني إلى اضطراب سريري يتطلب تدخلاً، وهو ما نسميه “الاكتئاب،
الفرق الجوهري بين الحزن العادي والاكتئاب ليس في “شدة” الشعور فحسب، بل في مرونة العقل وقدرته على التعافي.
الحزن الإنساني: هو عادةً رد فعل محدد زمنياً ومرتبط بحدث واضح. قد تشعر بالحزن العميق لأيام أو أسابيع بعد فقدان عزيز، لكنك تظل قادراً على الضحك للحظة، وتناول الطعام بشهية، والعودة إلى عملك تدريجياً. أنت حزين على الحدث، لكنك ما زلت متفائلاً حول المستقبل.
الاكتئاب السريري: يختلف جذرياً. إنه حالة من اليأس والثبات الزمني. ليتم تشخيصه، يجب أن تستمر مشاعر الحزن أو الفراغ أو التهيج لمدة أسبوعين متتاليين على الأقل، معظم الوقت. والأخطر من ذلك، هو أن يظهر الاكتئاب دون أي سبب واضح، أو أن يكون رد الفعل أضخم بكثير من حجم المشكلة.
العلامات الثلاث للتحول: متى يتحول الحزن إلى مرض؟
لتساعد نفسك على التمييز، انظر إلى هذه المعايير الثلاثة التي تقف كخطوط فاصلة بين الأمرين:
1. فقدان اللذة (Anhedonia): سرقة متعة الحياة
هذه هي السمة المميزة للاكتئاب. في الحزن العادي، قد لا ترغب في الاستمتاع، لكن في الاكتئاب، أنت غير قادر على الاستمتاع. أن تخرج مع أصدقائك أو تمارس هوايتك المفضلة ولا تشعر بأي شيء على الإطلاق، هو مؤشر على أن المشكلة أصبحت بيولوجية، مرتبطة بخلل في كيمياء الدماغ (النواقل العصبية) لا مجرد مزاج سيئ.
2. الشلل الجسدي والوظيفي
الحزن عاطفي، لكن الاكتئاب جسدي أيضاً. متى يصبح الاستحمام مهمة بطولية؟ متى يتغير نومك بشكل جذري (إما أرق منهك أو نوم مفرط لا يجلب الراحة)؟ متى يصبح التعب والخمول (Fatigue) شعوراً ثابتاً لا يزول بالنوم؟ عندما تبدأ هذه الأعراض الجسدية في شل قدرتك على العمل، الدراسة، أو العناية بأساسيات حياتك اليومية، فهذا يعني أنك في منطقة المرض.
3. الأفكار السوداوية وتدمير القيمة الذاتية
المرض يهاجم الذات بعمق. الحزين يقول: “أنا أشعر بالذنب تجاه ما حدث”. المكتئب يقول: “أنا إنسان سيئ ولا قيمة لوجودي، وأنا عبء على الجميع”. هذا التدمير للقيمة الذاتية، وتحول الأفكار السلبية إلى أمنيات بالموت أو أفكار لإيذاء النفس، هو جرس إنذار حاسم. هذه الأفكار ليست اختياراً أو ضعفاً أخلاقياً، بل هي عرض واضح لتغير كيميائي يحتاج تدخلاً متخصصاً.
من الظلام إلى النور: العلاج والأمل
إذا وجدت أن هذه المعايير تنطبق عليك، فأنت لست شخصاً ضعيفاً يحتاج إلى “الاجتهاد” أو “الانتظار”، بل أنت مريض يحتاج إلى علاج.
الاكتئاب، لحسن الحظ، هو مرض قابل للعلاج بدرجة عالية جداً. إنه ليس قدراً، بل حالة يمكن تجاوزها من خلال خطة متكاملة تشمل:
العلاج بالحوار (مثل العلاج السلوكي المعرفي): لتعلم كيف تفكك أنماط التفكير السلبية وتغير سلوكك.
العلاج الدوائي: لمساعدة الدماغ على استعادة التوازن الكيميائي اللازم لتلقي العلاج النفسي والاستجابة للحياة.
الحزن جزء من الحياة، لكن الإقامة فيه وتغييب الوعي هو المرض. الخطوة الأكثر شجاعة وقوة هي الاعتراف بأنك تحتاج للمساعدة. دع الخبراء يمسكون بيدك، لتعود من هذا النفق إلى النور الذي تنتظرك فيه الحياة.
الرئيسية / الرئيسية / بين الألم والأمل: متى يتحول الحزن الإنساني إلى اكتئاب؟ أ.د. اسماء جليل عباس الكريطي
شاهد أيضاً
موعد عرض مسلسل قتل اختياري بطولة أحمد خالد صالح وركين سعد
يتساءل جمهور مسلسل قتل اختياري بطولة الفنان أحمد خالد صالح والفنانة ركين سعد عن موعد …
جريدة القرار الدولية جريدة دولية تصدر في بغداد وتوزع في العالم العربي